بعيدًا عن الشرعية .. صفقة كبرى بين السعودية والحوثيين وإيجاد بديل جديد للرئيس هادي.. وصحيفة خليجية تكشف المستور

صحف

شكَّل إعلان جماعة الحوثيين باليمن، في 20 سبتمبر 2019، وقف استهداف السعودية تطوراً مفاجئاً بمسار الحرب التي يقودها التحالف السعودي-الإماراتي، وسط اتهامات لأبوظبي بتسليم الجنوب إلى مليشيا مسلحة تطالب بالانفصال.

استهداف الحوثيين المتكرر لمنشآت نفطية داخل المملكة، وتكبيدهم السعودية خسائر اقتصادية مؤخراً، دفعا الأخيرة إلى الانصياع لمطالب وقف الحرب في اليمن، خصوصاً مع تزايد الضغوط الدولية إزاء الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.

اقراء ايضاً :

وبينما يجري التضييق على الحكومة الشرعية التي جاءت السعودية وحلفاؤها من أجل نصرتها، تهرول الرياض إلى الحوثي -الذي تقول إنها تحاربه- من أجل فتح نافذة حوار وتواصُل معه.

 

 

ومع صمود الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، سياسياً، خلال أكثر من أربع سنوات من الحرب، وسط خذلان السعودية والإمارات إياه، يبدو أنه سيصارع الفترة القادمة، على شرعية تموت تدريجياً، ببزوغ شرعية تمثل الحوثي في شمالي البلاد.

مفاوضات من أجل الحرب

مؤخراً نقلت وكالة "رويترز" عن توجُّه السعودية إلى الاتفاق مع الحوثيين على وقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب المستمرة بين الطرفين منذ نحو خمسة أعوام.

وقالت الوكالة، الجمعة 4 أكتوبر 2019، إن مصادر دبلوماسية -لم تسمها- ذكرت أن "السعودية تدرس بجديةٍ اقتراحاً للحوثيين لوقف إطلاق النار في اليمن"، مضيفة: إن "موافقة السعودية على وقف الغارات تعني فعلياً انتهاء الحرب".

وأشارت إلى أن الغارات السعودية في اليمن تراجعت بشكل كبير، وأن هناك ما يدعو إلى التفاؤل بالتوصل إلى حل قريب.

كما نقلت الوكالة عن مصدر عسكري لم تسمه، قوله: إن "السعودية فتحت اتصالاً مع رئيس المجلس السياسي للحوثيين (مهدي المشاط)، من خلال طرف ثالث".

وذكرت أن دبلوماسياً أوروبياً أفاد بأن ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان يريد  الخروج من اليمن، لذا علينا أن نجد له سبيلاً للخروج، مع حفظ ماء الوجه".

الإمارات وصراعها مع هادي

منذ تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في مارس 2015، لم تقدم دولة الإمارات دعمها الكامل لحكومة عبد ربه منصور هادي، وهي الحكومة الشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي.

ومنذ البداية كانت الإمارات تعتقد أن حزب الإصلاح، المحسوب على أنه الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين، يتمتع بنفوذ واسع في الحكومة الشرعية، في الوقت الذي تحارب فيه الإمارات هذه الجماعة في أكثر من دولة، لذلك فضَّلت بناء قوة من أبناء محافظات جنوبي اليمن، أنفقت عليها كثيراً من الأموال ودرَّبتها وسلَّحتها، لتكون قوة موازية لقوة الحكومة الشرعية.

وفي أغسطس 2019، كشفت الإمارات عن وجهها الحقيقي، وانقلبت على الحكومة الشرعية من خلال سيطرة "المجلس الانتقالي" على مدينة عدن، وقصف طيرانها الجيش الوطني، وهو ما اعتبرته الحكومة اليمنية انتهاكاً لسيادتها وقدمت شكوى ضد أبوظبي إلى مجلس الأمن.

ولعل أحداث عدن الأخيرة، وقبلها المعلومات التي تحدثت عن انسحاب معظم القوات الإماراتية من اليمن، كانت أحد الأسباب البارزة لاحتمالات تفكُّك تحالف السعودية والإمارات أو الجلوس مع الحوثي وتقديم تنازلات "مؤلمة" مخلّة بالثوابت التي قام عليها التحالف، والمتمثلة بنزع أسلحة جماعة الحوثي، وعودة حكومة هادي إلى العاصمة صنعاء، مع تسوية سياسية لا تستثني جماعة الحوثي في حال قبِلت بشروط التحالف، وهو ما يتم الحديث عنه خلال الأيام الأخيرة.

الأزمة بين الحكومة والتحالف

تقول الأحداث على الأرض، إن الشرعية في عامها الأخير ستصاب بمرضٍ اسمه "سرطان التهميش"، وسينخر في جسدها خلال الفترة القادمة، وسيتقلص دعمها.

ولعل الصراع بين الحكومة اليمنية والتحالف السعودي-الإماراتي يجعل الرياض تبحث عن حلول لإنهاء الحرب، تتمركز بدايتها حول التدخلات الإماراتية والعقبات التي تفرضها في طريق عودة قيادة الشرعية اليمنية وتسليمها إدارة المناطق الجنوبية والشرقية، والتي انتهت بسيطرة قوات موالية لأبوظبي على جنوبي البلاد.

كما أن الحرب كشفت تنصّل التحالف من الوعود التي قطعها بتصحيح العلاقة ومراجعة الممارسات، وانهماكه في مزيد من الممارسات التي تقوّض سلطة الحكومة اليمنية.

كما أن الجمود الذي تمر به البلاد على الصعيدين العسكري والسياسي، ومحاولة الرياض وأبوظبي التوسع في مناطق سيطرة الحكومة، جعلا الأزمة تتصاعد ودفعا حكومة هادي، أكثر من مرة، إلى الدعوة للاستمرار في هدف تحرير البلاد من الحوثيين، لكن لم يُعِر التحالف هادي وحكومته أي اعتبار.

التسليم بنتائج مغايرة للحرب

يقول الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية السيادة باليمن، ياسين التميمي، إن التوجه نحو تدشين حوار بين السعودية والحوثيين هو بداية الطريق نحو التسليم بنتائج مغايرة للحرب الدائرة في اليمن وللتدخل العسكري للسعودية.

ويشير التميمي في حديثه، إلى أن الحرب كان من المقرر لها أن تفضي إلى هزيمة الحوثيين ودحر انقلابهم وإنهاء النفوذ الإيراني على الساحة اليمنية، لكن ما حدث كان عكس ذلك.

ويضيف في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "انحصار الحوار بين السعودية والحوثيين سيمثل انتصاراً كبيراً للحوثيين، لأنه سيجعلهم في مواجهة دولة معتدية على اليمن لطالما وصمها الحوثيون بدولة العُدوان، ولم يقروا لها بتدخلها العسكري".

ويشير إلى أن المسوغ الوحيد للتدخل السعودي في اليمن "هو أنه تم بطلب من الرئيس هادي، وحينما تذهب السعودية للحوار مع الحوثيين، فإن ذلك من شأنه أن يقضي تماماً على ما تبقى من كيان معنوي لهذه السلطة بعد أن واجهت انقلابَين دفعا بها إلى خارج البلاد وحال دون عودتها إلى مناطق سيطرتها".

نهاية مصير الشرعية

من جانبه يقول الباحث اليمني محمد النعيمي، إن التناغم بين تحالف السعودية والإمارات، والحوثيين من طرف آخر يرسم "سيمفونية للحرب في اليمن على أوتار جديدة، وواقع يبعد عن الأهداف المرسومة للتحالف العربي".

وفي حديثه مع "الخليج أونلاين"، أوضح أن التحالف جاء من أجل إعادة الشرعية، لكن ما يحدث حالياً "هو إعادة إحياء الحوثي والانتقالي الجنوبي ليكونا طرفَين مقابل طرف الشرعية".

ويشير إلى أن المفاوضات ستبقى سرية بين الحوثيين والسعودية، حتى يتم الاتفاق على ما يُرضي الطرفين، قبل أن تضغط الرياض على الرئيس اليمني للقبول بالواقع الذي تم التوصل إليه.

ويضيف: "إضافة إلى ذلك، الواقع يقول إن هناك فصيلاً جديداً وتحالفات جديدة يتم العمل على إنشائها لتكون بديلة عن الشرعية، ولن يبقى عبد ربه منصور هادي إلا شماعة تُعلَّق عليها أسباب تدخُّل التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن".

الوقاية من إيران

أما المحلل السياسي اليمني محمد الغابري، فيصف ما يجري الحديث عنه بأنه "محاولة سعودية للوقاية من هجوم إيراني آخر على المملكة، ومحاولة أمريكية لتجنُّب الحرب مع إيران".

ويؤكد الغابري في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن الهدنة بين السعودية والحوثيين -إن تمت- تعني "تقييد إيران التي تتخذهم غطاءً لتبني عملياتها ضد المملكة".

واتهم الغابري السعودية والإمارات بمساعدة إيران والحوثيين، موضحاً: "الرياض حين قررت عدم الحسم وإطالة أمد الأزمة والحرب والتوافق مع الإمارات على إضعاف الشرعية، ساعدت إيران والحوثيين على أن يشكلوا تهديداً فعلياً للمملكة وأن تظهر في مركز ضعف أمام الحوثيين، واليوم تحتفل بعرضهم التهدئة وتعطيها عنواناً كبيراً".

وتوقَّع عدم نجاح أي اتفاق سعودي مع الحوثيين؛ "بالنظر إلى طبيعة الحوثيين وطبيعة إيران، وربما يكون اتفاقاً جزئياً مؤقتاً تحت الاختبار، إذا نجح يمكن تطويره".

لا تراجع للحكومة

وفيما يتعلق بالشرعية اليمنية، يرى الغابري أنها "تمتلك سلطة الدولة اليمنية القانونية"، ورغم أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من إضعافها، يشير إلى أنه بإمكانها "البحث بالمقابل عن تحالفات مع دول أخرى، وأن تُحصّن منطقة داخل البلاد، لتكون منطلقها في معركتها الطويلة لاستعادة الدولة".

ويضيف: "الشرعية اليمنية لا يمكن أن يُقرِّر مصيرَها الأطرافُ الخارجية حتى المملكة، ومن المستبعد الإقرار للحوثيين بالشمال إلا من دون مضيق باب المندب والمخا، وإشراف دولي على الحديدة".

ويشاركه في الرأي ياسين التميمي، الذي قال إن قضية استعادة الدولة ستكون "استحقاقاً لا يمكن التنازل عنه، وقد تتحد القوى الوطنية في مواجهة الواقع الجديد".

وأضاف الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية السيادة باليمن: إن ذلك "لن يجعل من الحوار المرتقب مدخلاً لتحقيق السلام في البلاد، بقدر ما سيُفضي إلى تطورات خطيرة وجولة عنف من الصعوبة توقُّع تداعياتها".

 

المصدر: الخليج أونلاين