نحو سينما جادة في اليمن

في فترة الثمانينات والتسعينات كان الكثير من العلماء والدعاة يحرمون التلفاز وخصوصا الصحون اللاقطة للقنوات الفضائية وسمعنا وقرأنا الكثير من الخطب والمحاضرات عن مفاسد التلفاز وحرمة إدخاله المنزل وخطورته على الأسرة المسلمة بل وصل الأمر ببعضهم إلى تحريم البلوتوث في الهاتف واعتباره " الخطر المدمر " .!!

 وظلت هذه قناعة أغلبهم حتى تم إطلاق قناة " إقرأ " في 21 أكتوبر، 1998م كإعلام هادف وبدأ العلماء والدعاة يظهرون فيها وبدأت نظرتهم للتلفاز تتغير عندما وجدت البدائل ثم تتابعت القنوات الجادة والهادفة وتغيرت النظرة لهذه الوسائل .

للأسف لقد نظروا حينها لهذه الوسائل الإعلام بناء على ما يبث فيها وليس باعتبارها أوعية ووسائل يمكن أن تستخدم في الخير أو في الشر في البناء أو في الهدم ، يمكن أن تبث فيها أغنية أو محاضرة دينية ، قابلة لأن تبث فيها قرآن ونصائح أو أفلام هابطة وكليبات غنائية خليعة .!

للأسف الكثير من العلماء والدعاة إلى اليوم يفتقرون لثقافة البدائل والتغيير واستخدام الوسائل الإعلامية وتطويع الجديد لخدمة الدين والقيم ، ولذا البعض منهم تجاوزهم الزمن ، مثلا قبل عقود كانت أشرطة الكاسيت " للداعية السعودي علي بن عبد الخالق القرني تكتسح الكثير من أرجاء العالم الإسلامي ولها جمهور كبير ثم مضت تلك الفترة وتطورت الوسائل وأختفى الشيخ الذي يمتنع عن التصوير أو تسجيل حلقات في التلفزيون ونساه الكثير من الناس ، فلم يستطع الشيخ مواكبة المستجدات في المجال الإعلامي ولو أن الشيخ يبيح التصوير لنفع الله به الناس بشكل أكبر . 

لقد دعوت منذ أكثر من 15 عاما لإيجاد سينما هادفة وجادة تعمل على ترسيخ القيم الحميدة وتبث الأفكار الجادة وضربت المثل بفيلمي المخرج الراحل مصطفى العقاد " الرسالة " و " عمر المختار " وهي أفلام لاقت تأثيرا في الغرب وانقسم حيالها العلماء والدعاة بين مادح ومتحفظ ومعارض ولقد قرأت لأحدهم ما يشبه الدراسة المطولة التي حاول من خلالها اثبات أن هذه الأفلام ليست اسلامية وتسيء للإسلام وللمسلمين وفي الحقيقة هي أفلام جادة وهناك ملاحظات عليها ولكن وجودها أفضل من غيابها بألف مرة ووجود عمل عالمي فيه رسالة وهدف ولنا عليه بعض الملاحظات خير من غيابه .

لقد كتبت ودعوت حينها إلى سينما جادة وهادفة فسخر مني كثيرون بل رأى البعض أن السينما مستنقع للشر والرذيلة والفساد وهو رأي ربما بني على ما يعرض في السينما من أفلام فيها مشاهد العري والرقص وشرب الخمور والحث على الخيانة الزوجية وممارسة الرذائل وتشويه كل ما له صلة بالإسلام ، ولكن هذا الواقع لا يعني حرمة استخدام هذه الوسيلة الهامة والفن المؤثر فرب لقطة في فيلم تؤثر في الناس أكثر من مئات الخطب والمواعظ والمحاضرات .

اليوم نحن بحاجة إلى جهات وطنية جادة تقتحم هذا المجال الحيوي الهام وتنتج عشرات الأفلام وتبث من خلالها رسالة وطنية وجادة وهادفة خاصة ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة والفترات العصيبة .

إضافة إلى أننا بحاجة من العلماء والفقهاء إلى دراسة جادة للفنون لكي يخرجوا برؤية وباجتهاد جماعي حوله ولا يتحولون إلى متابع لما يحدث فإذا تم تمثيل الأنبياء في مسلسل أو فيلم أصدروا بيان وحرموا الأمر ، لماذا لا يجتمعوا ويناقشوا ويخرجوا برؤية شبه موحدة وباجتهاد جماعي يبين ضوابط التمثيل والفن والمسرح والسينما ما الذي يجوز وما الذي لا يجوز وينظموا الأمر أو على الأقل يقدموا رؤية يمكن أن تستفيد منها مؤسسات الانتاج الفني والسينمائي وتكون حجة عليها .!!

وكذلك الحال في الدراما فنحن بحاجة إلى إعادة النظر فيها والارتقاء بها فما يعرض من مسلسلات رمضانية وغيرها لا هدف لها في الغالب سوى الإضحاك والتسلية وأتمنى أن تقوم قناة يمنية بإنتاج مسلسل عن أحد ملوك الدولة الرسولية في اليمن مثل الملك الأشرف أو المظفر أو تنتج مسلسل عن الإمام الشوكاني ـ رحمة الله تغشاه ـ أو حتى أفلام وثائقية عن أعلام اليمن ممن يستحقون الإشادة بجهودهم ونضالاتهم بدلا من تتبع حركات الفقيه نعمان وما يدور من سوالف نسائية في " ليالي الجحملية " و" خلف الشمس " وغيرها من الأعمال التي مهما بلغت جودتها فإن الهدف منها هو التسلية دون وجود رسالة جادة وهدف يستفيد منه الناس برأيي .