هل أصبحت صنعاء حوثية فعلًا؟؟


ما زلت أرفض أن صنعاء صارت حوثية، بالمعنى العقدي والنفسي، هذه فكرة خادعة، صنعاء مصبوغة باللون الأخضر؛ لكنها لم تصبح حوزة إيرانية بعد، صوت ما داخلي يقول لي : هذا وهم كبير يتوجب مقاومته، صنعاء تحت سيطرة الحوثي؛ لكنها ليست حوثية، ليست حوثية وهذه ليست أمنية نحاول التمسك بها؛ بل تلك حقيقتها الباطنية.
وأنت تقاوم عدوّك، يتوجب أن تحذر من خدمته دون قصد، وأنت تُحذِّر الناس من خطورته، عليك أن تحاصر صورته المتضخمة داخلك، يجب ألا تُسجِّل صنعاء باسمه، مهما ادعى زورًا استملاكها. كيف كانت صنعاء قبل سبع سنوات..؟ كم نسبة الحوثي فيها، بحساب التاريخ هل هناك جماعة تمكنت من تحويل تصورات شعب كامل وصار منصهرا معها بهذه السهولة والسرعة..؟ هل جرت تحولات ذهنية ونفسية عميقة وشاملة ليغدو مجتمع صنعاء، نسخة من ملازم الهالك حسين..؟
هذا وهم، إنها صورة فوقية مفروضة قسرًا ويتوجب حصارها، حالة شاذة وطافية لا يصح تطبيعها والتسليم بها مهما حاولت أن توهمنا بحقيقتها.
صنعاء تتعرض لتخريب ممنهج منذ سبع سنوات، هذا صحيح؛ لكنها لم تُبدل هويتها بعد، لم يتمكن الحوثي من اذابتها كليًّا، هذه حقيقة يعرفها كل من يُعايش مجتمع صنعاء من الداخل.
هل أصدِّق هذه الشعارات الخضراء المرفوعة وأكذِّب ذاتي الحقيقية، منذ متى كانت هوية المدن، مجرد خدعة بصرية، أضواء خضراء ولافتات مفروضة قسرًا في الشوارع والمؤسسات المنهوبة.
يحاول الحوثي تصدير أجواء دعائية توحي أن مدينة "سام" صارت منطقة خالصة لوجهه، يحتكر الحديث باسمها؛ لكنه يظل ناطقًا باسم جماعته فحسب، يوقف أي صوت يخالف نبرته، لكنه لا يستطيع الغاء صوت صنعاء الموازي وحقيقتها السرية الثابتة. هوية المدن ليست زرًا ميكانيكًا قابلًا للتحول بهذه الطريقة الآلية.
يمكن لأي جماعة قمعية أن تستفرد بمدينة ما وتصادر حرية أبناءها؛ لكن القمع ليس وسيلة مجدية لضمان السيطرة العميقة على المجتمع، الصمت ليس معيارًا دقيقًا يعكس ولاء المدينة لك. ما يحدث في صنعاء هو أكبر عملية تزوير تاريخي تحاول أن تقوم به جماعة محدودة، وعلينا أن نرفض الاقرار لها بأمنيتها تلك. كل ما تسوِّقه سلطة غير مشروعة عن مجتمع ما، هو صورتها هي، ما ترغب أن يكون عليه المجتمع وليس ما هو كائن، هذه صورتكم يا أحفاد الولاية وليس تعبيرًا حرًا عن شعب خائف ومقموع.
يقول الفلاسفة: أن الحرية نوعان، حرية خارجية، تعني غياب الحواجز أمام الإنسان أو المجتمع للتعبير عن ذاته، وحرية داخلية، تصورك العميق عن ذاتك، قناعات المرء الراسخة، سواء عبّر عنها أم ظل صامتا.
يمكن للمجتمع أن يتخلى عن ممارسة حريته الخارجية؛ كي يأمن بطشك؛ لكن الحرية الداخلية، شيء غير قابل للمصادرة، الحرية الداخلية هي صورة المجتمع الحقيقي، وتلك صورة صنعاء المكبوتة، صنعاء كعاصمة وجودية لليمنيين، ما تزال كذلك، ساكنة، محتفظة برفض داخلي لا تجدي معه كل وسائل الترهيب والتذويب وكل محاولات تغريبها عن ذاتها ونزع صورتها الحقيقة عنها.
أنا متمسك بقناعتي هذه، ما تزال سيطرة الحوثي على صنعاء حالة عسكرية وأمنية فوقية أكثر منه تماه كامل بين السلطة والمجتمع. هذا تفسيري الخاص، ويمكنكم اعتباره استبطان سوسيولوجي من مستوى معين، إنها لم تتحول لسيطرة إجتماعية ونفسية راسخة وشاملة، ما يزال القطاع الأعظم من صنعاء ينظر للحوثي كحالة طارئة، وجود شاذ ومنبوذ، وعلينا أن نبقيه كذلك حتى تستعيد المدينة هويتها الحقيقة.
الحوثي يحاول إعادة صياغة المجتمع، لكن قدرته الهادئة على هندسته ضئيلة_ قوة النفوذ الاجتماعي لا يقاس بالقدرة العسكرية وما تستطيع فرضه في المجتمع_ أكبر من محاولتهم، هي قدرتنا الناعمة على مقاومة محاولة الاذابة تلك؛ لئن عجزنا عن دحرهم عسكريًا، فلسنا عاجزين عن ابقاء المجتمع في حالة رفض داخلي دائم لهم.
نحن أبناء هذه المدينة، سكانها الأصليون، ولسوف نرثها بمشئية الله ومشيئتنا. المهم ألا نسلم لهم بها، والأهم ألا ننام عنها.