فوبيا الإسلام السياسي.. بين المؤامرة الغربية وغباء الأنظمة العربية

​اقتضت مصلحة القوى الدولية الغربية إبقاء منطقة الشرق الأوسط بؤرة ملتهبة بالمشاكل الداخلية والصراعات الايدلوجية على المستويات الفكرية والعسكرية، وحتى تتحقق هذه الغاية فقد عمدوا إلى بث الدسيسة وزرع الشكوك بين الأنظمة وعلاقتها ببعض، وكذلك بين الأنظمة وكثير من القوى الحية في المجتمعات العربية، إضافة إلى الدعم غير المباشر لبعض جماعات العنف في الوسط السني بما يعزز فوبيا الإرهاب لدى الأنظمة تجاه كل تجمع عصبوي أو عقائدي أو فكري، ولتشمل تلك الفوبيا جميع المكونات والجماعات حتى تلك التي لا تنتهج العنف ولا تعترف بالعمل المسلح مهما كانت مبرراته..

غير أن تلك الصنعة لم تنجح في زعزعة ثقة بعض الأنظمة بتيار ما يطلق عليه الإسلام السياسي (رغم التحفظ على هذه التسمية)وهو فكر تجديدي تبرز أهم ملامحه في الانصهار الكامل أو الجزئي بين الدين والسياسة باعتبار السياسة إحدى الأدوات الناظمة في إطار منظومة الدين الكلية.
لم تتزعزع ثقة بعض الأنظمة تجاه تيار الإسلام السياسي لأنه لم يمارس العنف أو يدعو إليه، فلجأ الغرب عبر مؤسساته الاستخباراتية وعبر بعض الشخصيات من التيارات العلمانية والليبرالية في الأوطان العربية إلى استدعاء أحداث التاريخ المعاصر، وصياغة التقارير عن حقبة دعم الجهاد في أفغانستان في ثمانيات القرن المنصرم، وتوجيه أصابع الاتهام تجاه حركتي (السلفية، والإخوان المسلمون) باعتبارهما نواة لتلك الأحداث حين كانت كثير من الأنظمة العالمية والاقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية تتبنى هذا الحراك في سبيل المواجهة السياسية مع الاتحاد السوفيتي والمواجهة الفكرية ضد المد الشيوعي الذي كان يغزو المنطقة والجزيرة بأفكاره الإلحادية، وكانت له موطئ قدم في جنوب الجزيرة العربية اليمن الجنوبي سابقاً، ثم ساقت تلك التقارير الشواهد والتحاليل بما يؤدي إلى اعتبار هاتين الجماعتين هما فقاستي الإرهاب في المنطقة، ولقد أسهمت وسائل إعلام عربية كبرى في تلك المهمة بعد اختراقها من قبل لوبيات الليبرالية المنبهرة بالغرب فكراً وسلوكاً وممارسة. 
والحقيقة لم يكن ذلك استقراءاً تاريخيا موضوعياً، فجماعات العنف حين لم تستجب لها قيادات الفكر الوسطي كالإخوان والسلفية _غير الجهادية_ في تبني أفكارها المتطرفة لذلك فقد اتخذت جماعات العنف قرارها وتمايزت بين الصفوف وأعلنت عن نفسها بمسمياتها المعروفة، وبالتالي فكل تقارير الاستخبارات التي حاولت تصوير كل جماعات ما بات يعرف بالإسلام السياسي بأنها جماعات إرهابية وأنها خطراً على الأنظمة أكثر من غيرها لم تكن تهدف إلى نصح الأنظمة وتحذيرها بل كان وراء الأكمة ما وراءها وهو خدمة المخطط الغربي الذي يسعى لتوسيع الفجوة ما بين الأنظمة العربية وعلى رأسها نظام المملكة العربية السعودية وبين الجماعات الإسلامية ووضعها كلها في سلة واحدة هي سلة الإرهاب والقاعدة والعنف والتطرف، والخطر الناعم!
لقد استُدرجت كثير من الأنظمة لتبني هذه الفكرة وتحديد موقف من كل جماعات الإسلام السياسي باعتبارها خطراً عليها سواءً من الناحية العسكرية أو حتى من ناحية المنافسة في تقديم نموذج إسلامي يمارس الحكم والسياسة، ولقد انشغلت كثير من الأنظمة بتلك التقارير التي كانت ترفع من قبل الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والتي تم كشف بعضاً منها في وثائق ويكليكس المسربة قبل فترة، ولقد استنفدت تلك الأنظمة جهدها ومالها في محاربة هذا العدو الوهمي الذي لم يكن له أثر حقيقي في الواقع.
لقد استفاد من هذا الوضع الذي دخلت فيه المنطقة طرفان: الأول هو الكيان الإسرائيلي، حيث باتت ما يسمى بدولة إسرائيل في منأى عن انشغال جيرانها العرب والمسلمين بها، بل وأسهمت استخبارات الشاباك الإسرائلية في تعزيز ودعم تلك الخطة والتواصل مع بعض الشخصيات الأمنية ومع بعض الأجهزة في بعض الدول وتنسيق جهودها لتصوير الخطر الحقيقي على الأنظمة من شعوبها المحافظة وليس من الكيان المغتصب الغاصب.
أما الطرف الثاني الذي استفاد من هذا الوضع فهو المشروع الإيراني الذي بنى أذرعه العسكرية وسعى لتوسعه الفكري في المنطقة في هامش تلك الخلافات بين دول الحكم السني ومكونات مجتمعاتها السنية، بل واستغلت القوى الغربية هذا الظرف في دعم التوسع الإيراني في المنطقة في إطار خطتها الدولية في خلق التوازنات وابتزاز الدول النفطية بهدف إضعاف الدول المؤثرة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وابتزازها بعدو جديد بعد استنفاد جهدها واهتمامها في مواجهة العدو السابق (الإرهاب)، وكذلك تحريف أولوياتها لمواجهة ما يسمى بالإسلام السياسي باعتباره خطراً على أمن واستقرار تلك الدول.
ولقد أثبتت الأحداث الأخيرة بأن هنالك إرهاباً حقيقياً يجب التعاون على القضاء عليه، كما أثبتت أن هنالك عدواً وهمياً اسمه (الإسلام السياسي) لكن هذا الأخير هو من وقف وصمد أمام مشروع التوسع الفكري للشيعة، والتمدد العسكري لأذرع إيران، ولن تستقر المنطقة اليوم أمام التآمر الغربي والطموحات الإيرانية إلا بإعادة تقييم خارطة الخصوم والأعداء، وصنع وحدة حقيقة بين مكونات العمل الإسلامي السني التي تنتهج الفكر الوسطي، ووضع خطة تنسيق مشترك في مواجهة العدو الذي يخطط لالتهام المنطقة برمتها.